فصل: فصل في العارية والوديعة والأمناء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في العارية والوديعة والأمناء:

العارية: بتشديد الياء وقيل بتخفيفها قاله في التوضيح هي من المعاورة وهي الأخذ والإعطاء يقال: هم يتعاورون من جيرانهم أي يأخذون ويعطون وقال الأبي: هي من عرا كغزا بمعنى قصد فهي عريوة ثم صارت عرية لاجتماع الياء والواو فهي بمعنى مطلوبة ومقصودة. وشرعاً قال ابن عرفة: هي تمليك منفعة مؤقتة لا بعوض فتدخل العمرى والإخدام لا الحبس فخرج بقوله: منفعة تمليك الذوات ببيع أو هبة ونحوهما، وخرج بها أيضاً تمليك الانتفاع لأن مالك المنفعة له أن يستوفيها بنفسه أو بغيره بخلاف مالك الانتفاع كسكان المدارس والزوايا والربط فإنهم لا ينتفعون إلا بأنفسهم، وليس لهم أن يؤاجروا ذلك أو يعيروه لغيرهم والنكاح من الانتفاع لا من المنفعة، وكذا الجلوس في المسجد والسوق، وبالجملة فالانتفاع هو الذي قصد به المعطي خصوص من قام به الوصف أو خصوص ذات المعطى بالفتح كسكنى بيوت المدارس ونحوها وكمستعير منعه المالك من الانتفاع بغيره، ومنه النكاح بخلاف المنفعة فهي التي قصد فيها الانتفاع بالذات استوفاها المعطى له بنفسه أو بغيره فله أن يعيرها أو يستأجرها لمثله، وبهذا تعلم أن الحبس على قسمين منه ما قصد به المحبس خصوص تمليك الانتفاع لمن قام به الوصف كالفقراء، فهذا لا يجوز لمن استحقه أن يهبه ولا أن يؤاجره ولا أن يعيره المدة الكثيرة، ومنه ما قصد به تمليك المنفعة وذلك كالحبس على شخص معين وأعقابه مثلاً، فهذا تجوز فيه الهبة والإجارة والإعارة، واختلف في الحبس على الإمام والخطيب والمدرّس هل هو من القسم الأول أو الثاني وهو الظاهر، وخرج بقوله: مؤقتة تمليك المنفعة المطلقة كما لو ملك عبده منفعة نفسه فإنه يصدق عليه ذلك وليس بعارية وليس عتقاً أيضاً بدليل أن الأمة إذا ملكها منفعة نفسها ثم تزوجها فإن أولادها يرقون لسيدها، وخرج به أيضاً القسم الثاني من قسمي الحبس فإنه تمليك منفعة غير مؤقتة فليس بعارية والحبس على مختار. ابن عرفة: لا يكون إلا مؤبداً وتسمية المؤقت منه حبساً مجاز عنده فلا يرد عليه أن الحبس قد يكون مؤقتاً كما قال (خ): ولا يشترط التأبيد وخرج بقوله لا بعوض الإجارة.
وأما حدها بالمعنى الاسمي فيقال: هي مال ذو منفعة مؤقتة ملكت بغير عوض. وحكمه الندب لأنها معروف وإحسان والله يحب المحسنين، وقد يعرض وجوبها كغنى عنها لمن يخشى هلاكه بعدمها كإبرة لجائفة وفضل طعام أو شراب لمضطر إليه وحرمتها ككونها معينة على معصية وكراهتها ككونها معينة على مكروه. قال القرطبي في سورة آل عمران: من الغلول منع الكتب من أهلها. قال: وكذا غيرها والماعون الذي توعد الله على منعه في قوله تعالى: {ويمنعون الماعون} (الماعون: 7) الآية. إنما هو الزكاة المفروضة وهو الذي ذهب إليه مالك رحمه الله وجمهور أهل العلم. وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أنه عارية متاع البيت الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم.
وَمَا اسْتُعِيرَ رَدُّهُ مُسْتَوْجَبُ ** وَمَا ضمانُ المُسْتَعِير يَجِبُ

(وما استعير) أي شيء كان (رده) لربه (مستوجب) أي واجب لقوله عليه السلام: (العارية مؤداة) أي يجب ردها وتأديتها لربها بحيث لا يتركها المستعير عنده بعد أن قضى منها وطره حتى يأتي ربها إليها. وفي الحديث الكريم إشعار بما اختاره ابن رشد من أن أجرة ردها على المستعير (خ): ومؤنة أخذها على المستعير كردها على الأظهر، وفي علف الدابة قولان إلخ. ومحلهما ما لم يكن عرف وإلاَّ فيحملان عليه اتفاقاً لأنه كالشرط وتكون حينئذ إجارة، إذ يجوز كراء الدابة بعلفها والعرف بفاس أن علف العارية على المستعير حيث باتت عنده فإن لم تثبت فعلى ربها كما تقدم (وما) نافية (ضمان المستعير يجب) أي لا يجب على المستعير ضمان العارية إن هلكت.
إلاَّ بقابِلِ المَغيب لَم تَقُمْ ** بَيِّنةُ عَلَيهِ أَنَّه عُدِمْ

(إلا) بأحد أمرين. أحدهما: أن تكون العارية وقعت (بقابل) أي في قابل (المغيب) عليه فالباء بمعنى (في) وذلك كالثياب والسفينة السائرة والحلى وسائر العروض، فإنه إذا ادعى تلف شيء من ذلك فإنه يضمنه لآخر رؤية رئي عنده حيث (لم تقم بينة عليه) ب (أنه) قد (عدم) وتلف بغير سببه، فمفهوم قابل المغيب أنه إذا كان لا يقبل الغيبة عليه كالحيوان والعقار وسفينة بالمرسى لا ضمان عليه إن ادعى تلفه وهو مصدق فيه ما لم يظهر كذبه كدعواه موت دابة يوم كذا فشهدت بينة بأنها ريئت عنده بعد ذلك أو دعواه موتها في رفقة أو مدشر ولم يعلم أحد منهم بموتها، ومفهوم لم تقم بينة عليه أنه إذا شهدت بينة بتلف ما يغاب عليه بغير تفريط لم يضمن لأن الضمان إنما هو للتهمة، وقد انتفت بقيام البينة فإن شهدت، أنه تلف بتعديه أو تفريطه وهو الأمر الثاني من الأمرين فهو ضامن كما قال عاطفاً على قابل المغيب أي لا ضمان إلا في قابل للمغيب.
أو ما المُعَارُ فيه قَدْ تُحُقِّقا ** تَعَدَ أَوْ فَرَّطَ فيه مُطْلَقا

(أو) في (ما) أي في الذي (المعار فيه) يتعلق بقوله (قد تحققا تعد) نائب الفاعل بتحققا (أو فرط) بالبناء للمفعول أو الفاعل (فيه مطلقا) كان مما يغاب عليه أم لا وقد تحصل منه أن ما ثبت فيه تعد أو تفريط يضمنه مطلقاً وما لم يثبت ذلك فيه ففيه تفصيل فإن كان مما لا يعاب عليه فلا ضمان إلا أن يظهر كذبه فإن ادعى تلف دابة ولم يظهر كذبه فلا يضمنها ويضمن سرجها ولجامها، وما كان مما يغاب عليه فهو ضامن إلا أن تقوم بينة على تلفه بغير سببه، وظاهره أنه يضمن المغيب عليه مع عدم البينة، ولو شرط نفي الضمان عنه وهو كذلك على المشهور. ابن ناجي: وبه الفتوى ومقابله أنه لا ضمان عليه، ورجحه اللخمي والمازري قالا: لأن العارية معروف وإسقاط الضمان معروف آخر لا مانع منه وهو الجاري على ما لابن أبي زيد عن أشهب في الصانع: يشترط أن لا ضمان عليه إن شرطه عامل لأنه إذا انتفى في الصانع مع الشرط فأحرى في المستعير لأنه فعل معه معروفاً من وجهين كما علمت، وظاهره أيضاً أنه لا ضمان عليه فيما لا يقبل الغيبة ولو شرط عليه الضمان وهو كذلك (خ): وضمن المغيب عليه إلا ببينة وهل إن شرط نفيه تردد لا غيره ولو بشرط إلخ. لكن العارية مع شرط الضمان تنقلب إجارة لأن الشرط المذكور يخرج العارية عن حكمها إلى الإجارة الفاسدة لأن رب الدابة لم يرض أن يعيره إياها إلا بشرط أن يحوزها في ضمانه فهو عوض مجهول يرد إلى المعلوم فيلزمه إجارة المثل في استعماله العارية قاله ابن رشد. وهو مقدم على اللخمي القائل: إنها لا تنقلب إجارة مع الشرط بل تمضي على حكم العارية ولا ضمان عليه ولا أجر لأن القاعدة عند الشيوخ أن ما استظهره ابن رشد من عنده مقدم على ما استظهره اللخمي من عنده أيضاً كما قاله الزرقاني عند قوله في الزكاة: كالتمر نوعاً أو نوعين وقد تقدم التنبيه عليه أول الكتاب فلا تلتفت إلى ما للشيخ الرهوني في حاشيته.
تنبيهان:
الأول: مثل قيام البينة في قابل الغيبة ما إذا أتى بالثوب محروقاً أو به قرض فار أو نحو ذلك مما يعلم أن إتلافه نشأ عن غير فعله. قال في الشامل: وحلف ما فرط فيما علم أنه بلا سببه كسوس وقرض فار وحرق نار إلخ. ونحوه قول (خ): وحلف فيما علم أنه بلا سببه وكسوس أنه ما فرط إلخ. إذ من جملة ما يدخل تحت الكاف قرض الفار والنار وهو الذي عزاه اللخمي لابن القاسم في المدونة، واختاره ابن رشد. ابن رحال: وهو الراجح لأنه محمول على أن النار ليست من سبب كما لأبي الحسن وابن ناجي. اهـ. وذكر مصطفى أن حرق النار ليس كالسوس وقرض الفار لأن النار يحتمل أن يكون هو الذي تسبب في إيقادها فيجب ضمانه حتى يثبت أنها بغير سببه كما قاله في تضمين الصناع من المدونة. وانتصر له الشيخ الرهوني في حاشيته. وبالجملة: فهما قولان في المدونة، ولكن المعتمد أن حرق النار كقرض الفار إذ الأصل عدم العداء وأن النار ليست من سببه، ولذا سوى بينهما في الشامل. وقال (خ) في الرهن: ولم تشهد بينة بحرقه فلم يشترطا في عدم الضمان قيام البينة على كون النار ليست من سببه، ولاسيما وقد اختاره ابن رشد وهو مقدم على غيره كما مر.
الثاني: إذا استعار نحو الفأس والمنشار والسيف للقتال ونحو ذلك فأتى بشيء من ذلك مكسوراً فقال (ح): وبرئ في كسر كسيف إن شهد له أنه معه في اللقاء أو ضرب به ضرب مثله إلخ. وهذا قول ابن القاسم في المدونة. وقال عيسى بن دينار ومطرف وأصبغ: لا ضمان عليه في ذلك إذ أتى بما يشبه ويرى أنه ينكسر في ذلك الفعل بل يصدق بيمينه. ابن حبيب: وبه أقول. ابن يونس: وهو عندي أبين. ابن رشد: وهو أصوب الأقوال. ابن عبد السلام: وهو أقرب لأن المستعير قد فعل ما أذن له في فعله ولم يقم دليل على كذبه بل قام ما يصدقه. اهـ. فيجب أن يكون هذا القول هو المعتمد لما ترى من اختيار الشيوخ له، ولأن الأصل عدم العداء، وسبب الخلاف هل يقاس تعييب الشيء المعار على ذهاب عينه أم لا؟ فمن جعل تعييبه كذهاب عينه قال: المستعير ضامن، ومن جعل تعييبه مخالفاً لذهاب عينه قال: يصدق بيمينه. ثم ما تقدم من أنه يحلف ما فرط إلخ. هو عام فيما يغاب عليه وما لا يغاب عليه، فإن نكل فيضمن القيمة بمجرد نكوله لأنها يمين تهمة. وتعتبر القيمة يوم انقضاء أجل العارية على ما ينقصها الاستعمال المأذون فيه قال ابن رشد:
وَالقولُ قولُ مُسْتعِير حَلَفا ** في رَدِّ ما اسْتَعَارَ حَيْثُ اخْتَلَفَا

(والقول قول مستعير) من نعته وصفته (حلفا في رد ما استعار) يتعلق بقوله (حيث اختلفا) وهذا إذا كان لا يغاب عليه (خ) كدعواه رد ما لم يضمن إلخ. وإلا فالقول للمعير في عدم رده كما قال:
ما لم يكن مما يُغَابُ عَادَه ** عليْهِ أَوْ أُوخِذَ بالشِّهَادَه

(ما لم يكن) الشيء المعار (مما يغاب عاده عليه) كالعروض والحلى ونحوهما (أو) مما لا يغاب عليه ولكن (أخذ) من يد المعير (بالشهادة) المقصودة للتوثق وتقدمت حقيقتها في القراض.
فالقولُ للمُعِيرِ فِيمَا بَيَّنَه ** وَمُدّعِي الرَّدِّ عليْه البيِّنَه

(فالقول) في الصورتين حينئذ (للمعير فيما بينه) أي ادعاه عليه من عدم ردها (ومدعي الرد) في الصورتين وهو المستعير (عليه البينة) أنه ردها ومثل العارية في ذلك كله الوديعة والشيء المستأجر والقراض والرهن والصناع قال في المقدمات: كل موضع يصدق فيه القابض في دعوى الضياع مثل الوديعة والقراض ورهن ما لا يغاب عليه فإنه يصدق في دعوى الرد إذا قبضه بغير بينة فإن قبضه ببينة لم يصدق في الرد ثم قال: وكل موضع لا يصدق فيه دعوى الضياع لا يصدق فيه في الرد قبض بينة أم لا. وتقدم أن المكتري لا ضمان عليه فيما يغاب عليه وما لا يغاب عليه كما مرَّ في فصل أحكام من الكراء حيث قال:
ومكتر لذاك لا يضمن ما ** يتلف عنده سوى أن ظلما

فيقتضي أنه مصدق في الرد مطلقاً ما لم يقبضه ببينة، وبه تعلم أن الحلى ونحوه الذي يكرى لتزيين العروس لا ضمان فيه، وأنه مصدق في ضياعه كما يصدق في رده ما لم يقبضه ببينة، فلو اكترى دابة فلما قدم قال: أودعتها لأنها وقفت علي في الطريق فإنه يصدق ولو أنكر المودع عنده ولا ضمان عليه لأن الشأن دفع الودائع بغير بينة كما تقدم في باب الكراء. وانظر شرح الشامل عند قوله في الوديعة: ولا يصدق إن خاف عورة موضعه، وظاهر النظم و(خ) أنه يصدق في دعوى رد ما لا يغاب عليه حيث أخذه بغير بينة، ولو رده مع عبده أو غلامه أو غيرهما وهو كذلك كما في ابن سلمون، وإذا ادعى الرسول أنها عطبت أو ضلت فلا يضمن المستعير لأن شأن الناس على ردها مع الرسول، ولو لم يعلم ضياعها إلا من قوله ولو غير مأمون كما في (ح).
والقولُ في المُدّةِ للمُعيرِ ** مَعْ حَلْفِهِ وَعَجْزِ مُسْتَعِير

(والقول) في اختلافهما (في المدة) فقال المستعير: أعرتني ليومين أو شهرين، وقال المعير: بل ليوم أو شهر، وكان ذلك قبل انقضاء المدة التي يدعيها المستعير بدليل قوله بعد: والقول من بعد الركوب ثبتا إلخ. (للمعير مع حلفه) بسكون اللام (وعجز مستعير) عن إثبات ما يدعيه، وفهم من قوله: مع حلفه أن العارية تلزم بالعقد وهو كذلك وإلا لم يكن على المعير يمين فإن أثبت المستعير ما يدعيه من المدة ونكل المعير فالقول له.
كَذَاكَ في مَسَافَةٍ لما رَكِبْ ** قبلَ الرُّكوب ذَا لَهُ فيه يَجِبْ

(كذاك) تجب اليمين على المعير (في) قدر (مسافة لما ركب) بالبناء للمفعول أو الفاعل أي لما شأنه أن يركب أو يحمل عليه إذا اختلفا (قبل الركوب) أو الحمل أصلاً أو بعد ركوب أو حمل المتفق عليه فقال المستعير: أعرتني لبلد كذا، وقال المعير: لبلد أقرب منه أو أسهل منه (ذا) أي كون القول (له) أي للمعير (فيه) أي الاختلاف المفهوم من السياق مقدار أو في مسافة وقبل الركوب متعلقان به (يجب) خبر عن اسم الإشارة، والتقدير: ذا أي كون القول للمعير يجب ويثبت في الاختلاف في قدر مسافة لمركوب قبل ركوبه حال كون القول له كذلك أي مع يمينه كما في المسألة قبلها و(ما) على هذا مصدرية، وإذا حلف المعير في هذا الموضوع خير المستعير في ركوب المسافة المحلوف عليها أو الطريق السهلة وفي أن يترك ولا يركب ولا يحمل شيئاً كما قال:
والمدّعي مخيَّرٌ أنْ يَرْكبا ** مِقْدَارَ مَا حَدَّ له أَوْ يَذْهَبا

(والمدعي مخير) في (أن يركبا مقدار ما حد له أو يذهبا) وكذا يخير في اختلافهما في المدة، وإذا اختار الركوب والحمل فلا تسلم له الدابة إن خشي منه العداء بركوب الطريق الصعبة أو إلا بعد إلا بتوثق منه. ثم أشار إلى مفهوم قوله قبل الركوب فقال:
والقولُ من بَعْدِ الرّكُوبِ ثَبَتا ** لِلْمُسْتَعير إنْ بِمُشْبِهٍ أَتَى

(والقول من بعد الركوب) للمسافة المختلف فيها كلها أو ركوب المدة المختلف فيها أيضاً (ثبتا للمستعير) لأن الأصل عدم العداء (إن بمشبه أتى) وحينئذ فلا كراء عليه إن سلمت ولا ضمان عليه إن عطبت أو تعيبت.
وَإن أَتَى فيه بما لا يُشْبِه ** فالقولُ للمعير لا يَشْتَبه

(فإن أتى فيه بما لا يشبه) كدعواه مسافة لا يعير الناس أو هذا المعير إلى مثلها أو مدة كذلك أو أتى بما يشبه فيهما ونكل عن اليمين (فالقول للمعير لا يشتبه) أي لا يلتبس بشيء ويأخذ كراء تلك الزيادة إن سلمت ويخير في أخذ قيمتها أو كراء الدابة إن عطبت كزيادة الحمل فيما يظهر (خ) مشبهاً في كون القول للمعير كزائد المسافة إن لم يزد، وإلا فللمستعير في نفي الضمان والكراء يعني إن أشبه وإن برسول مخالف للمعير أو المستعير.
والقولُ قَوْلُ مدّعي الكِراءِ في ** ما يُسْتَعارُ مع يمينٍ اقْتفي

(و) إن أخذ شخص دابة من غيره أو ثوباً ونحوه فانتفع بذلك وادعى أنه أعاره إياه وادعى ربها كراءها له ف (القول قول مدعي الكراء) لأن المستعير ادعى عليه معروفاً والأصل عدمه (في ما) أي في الشيء الذي (يستعار مع يمين) منه على ذلك فيؤخذ منه توجه اليمين في دعوى المعروف وهو المشهور وتقدم نحوه في الضمان (اقتفي) أي اتبع نعت ليمين، فإن نكل حلف المستعير فإن نكل غرم الكراء وهذا ما لم يكن مثله لا يكري الدواب لشرف قدره وعلو منصبه وإلاَّ فالقول للمستعير قاله ابن القاسم وهو معنى قوله:
ما لَمْ يَكُن ذَلِكَ لا يَليقُ ** بهِ فَقَلْبُ القَسَم التّحَقيقُ

(ما لم يكن ذلك لا يليق به) أي بالذي ادعى الكراء (فقلب القسم) على المستعير هو (التحقيق) فيحلف ولا كراء عليه، فإن نكل حلف المعير وأخذ كراءه فإن نكل أيضاً فلا شيء له (خ) وإن ادعاها الآخذ والمالك الكراء فالقول له بيمين إلا أن يأنف مثله عنه إلخ.
تنبيهات:
الأول: ما تقدم من كون القول لربها ولزوم الكراء ظاهر إذا كان الشيء قائماً أو قامت على هلاكه بينة أو كان مما لا يغاب عليه ولم تقم بينة بأنه تلف بتفريط ممن كان بيده، وأما إن كان مما يغاب عليه ولم تقم بينة بتلفه فمقتضى كون القول لربه حيث كان مثله لا يأنف من ذلك أنه يجب الكراء ويسقط الضمان لأن الكراء لا ضمان فيه ولو فيما يغاب عليه كما مر، والغالب حينئذ أن ربها إنما يدعي الكراء في هذه الصورة إذا كان أكثر من قيمة ذلك الشيء، فإن تساويا فالمال واحد ويظهر أنه لا يمين على المالك إذ ذاك لأنه قادر على أخذ ذلك بإقرار منازعه وإن كان الكراء أقل فلا يدعيه غالباً وعلى تقدير ادعائه ذلك فعدم الحلف أحرى من صورة المساواة قاله الشيخ الرهوني.
الثاني: عكس هذه المسألة وهو أن يدعي ربها العارية ويدعي الآخر الكراء لئلا يضمن قد تقدم حكمه في فصل أحكام الكراء عن ابن سلمون وصاحب المعيار.
الثالث: سئل ابن القطان عمن ذهب إلى صهره يستعير منه حمارة فلم يجده ووجد الحمارة فأخذها ثم ردها وهي مريضة فعطبت في دار صاحبها، فلما قدم صاحبها أنكر مرضها وذهب إلى إغرام دابته بعد أن سكت مدة من ثلاثة أعوام لم يطلبها إلا بعد خصام وقع بينهما. فأجاب بأن له طلب حقه ويضمن أخذ الدابة قيمة الدابة. اهـ. نقله ابن سلمون. قلت: ما لابن القطان ظاهر إذا لم تكن هناك عادة بالإعارة وإلا فلا، وظاهر أيضاً حيث لم يطلبها إلا لخصام وقع بينهما فقد قال القوري في الأقارب والأصهار ومن في معناهم: يأخذ أحدهم متاع الآخر من غير مشورته ولا إذنه، وذلك على عادتهم وسيرتهم إلى أن هلك بعض المأخوذ من المستعير لا ضمان على المستعير حيث ثبتت عادتهم بذلك وكانت مما لا يغاب عليه وهلكت لغير تضييع ولا تفريط. قال: وقد نص اللخمي على أن كل ما لا يطلب إلا عند المشاجرة والمخاصمة لا يحكم به لطالبه. اهـ. ونحوه في البرزلي عن ابن الحاج فيمن غارت عليهم خيل العدو، وعادتهم أن من وجد فرساً ركبه فأخذ العدو الفرس غلبة وقهراً عليه أنه لا ضمان عليه. اهـ. باختصار.
الرابع: لا يجوز الصلح على شيء قد فات حتى تعرف قيمته ويكون الصلح بمعجل لا بمؤجل لئلا يكون ديناً بدين، وقد تقدم ذلك في الصلح ثم أشار الناظم إلى بعض أحكام الوديعة فقال: